في الشرطة يسمونهم “تشيك-تشيك”
هذا هو اللقب الذي يُطلق على المراهقين والأطفال من يافا الذين يتم اعتقالهم وهم يحملون أسلحة نارية، أو يتاجرون بالسلاح والمخدرات، أو يطلقون النار على بعضهم البعض بسبب خلاف لحظي. الشرف، القوة، والمال السهل هي العوامل التي تجذب هؤلاء القاصرين إلى عالم الجريمة. لم تكن يافا يومًا مكانًا سهلاً، ولكن في الماضي كانت المشاجرات بين الشباب تنتهي بتبادل الشتائم أو في أسوأ الأحوال بالضرب. أما اليوم، فقد أصبح السلاح الناري جزءًا لا يتجزأ من قواعد اللعبة، ويمكن للطفل الذي يبدو بريئًا أن يتحول في لحظة إلى تهديد مسلح.
عالم الجريمة يمنحهم مكانة واعترافًا لكنه يجبرهم أيضًا على العنف، لأنهم إذا لم يردوا على ما يعتبره محيطهم استفزازًا، فسيُنظر إليهم على أنهم ضعفاء. في الفترة الأخيرة، وقعت العديد من الحوادث التي أطلق فيها المراهقون النار لمجرد أن أحدهم قال لهم كلمة لم تعجبهم.

رئيس قسم الشبيبة في شرطة يافا يكشف التفاصيل
يقول الضابط إيمانويل أفيف، رئيس قسم الشبيبة في شرطة يافا:
“الاهتمام بتصاعد الجريمة في المجتمع العربي داخل إسرائيل يتركز عادة في شمال البلاد، والمثلث، والبلدات البدوية في النقب، ولكن الواقع اليومي في يافا لا يختلف كثيرًا. قد يبدو أقل حدة بسبب الطابع المختلط للسكان، وحقيقة أن المدينة محاطة ببلدات يهودية، لكن تورط الشباب في الجريمة هنا ليس أمرًا جديدًا.”
كيف يدخل الشباب في هذا العالم؟
يشرح الضابط أفيف أن أحد العوامل الرئيسية لتدهور الشباب في يافا هو التركيبة الاجتماعية للمدينة، حيث تلعب بنية العائلة الممتدة (العشيرة) دورًا رئيسيًا.
“أحيانًا، خلاف بسيط يتصاعد بسرعة إلى عنف مسلح، لأن كل طرف يستدعي عائلته لدعمه.”
ويتابع:
“غالبًا ما يغريهم المال السهل. قبل بضعة أشهر، قبضنا على طفل عمره 14 عامًا وهو يحمل مسدسًا مخبأً في سرواله. يبدأون عادة بمهام بسيطة مثل نقل سلاح، وسرعان ما ينزلقون إلى أعمال عنف خطيرة. خذي شهر رمضان كمثال، فبعد الإفطار يخرج المراهقون للتنزه واللهو، وأي خلاف بسيط يمكن أن يتطور إلى صراع مسلح.”
حوادث إطلاق النار العشوائية
يصف الضابط أفيف مشهدًا وقع مؤخرًا في يافا:
“قبل بضعة أسابيع، كان هناك شابان يجلسان على مقاعد في الحي، فجأة، جاء مراهق على دراجة كهربائية وأطلق عليهما النار. أحدهما أصيب بثلاث رصاصات، والآخر أصيب في ساقه. الجاني فرّ ببساطة من المكان. وعند التحقيق، تبين أن الأمر كان جزءًا من صراع بين مجموعتين إجراميتين. لم يكن هناك سبب حقيقي، ربما مجرد كلمة خاطئة أو خلاف بسيط تحول إلى محاولة قتل!”
ويضيف:
“حتى على أبسط الأمور، مثل خلاف بين زبون وصاحب متجر، قد يؤدي الأمر إلى إطلاق نار! حدث ذلك بالفعل عندما جاء شاب غاضب إلى مخبز، وبعد مشادة كلامية، عاد بعد عشر دقائق وأرسل مراهقًا يبلغ من العمر 15 عامًا على دراجة نارية ليطلق النار على صاحب المخبز.”
لم يعد هناك احترام للأب
يكشف الضابط أفيف عن مدى التغير في القيم العائلية:
“في الماضي، كان الأب أو الجد يتمتعان بسلطة لا يمكن تحديها. أما اليوم، فالشباب لا يحترمون والديهم، فكيف سيحترمون القانون؟ في كثير من الحالات، عندما أتحدث إلى الآباء وأطلب منهم السيطرة على أطفالهم، يردون قائلين: ’إنه لا يستمع إلي، لا يمكنني فعل شيء‘.”
دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار العنف
يؤكد الضابط أفيف أن وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك، تلعب دورًا خطيرًا في تفاقم الظاهرة:
“إنهم يصورون أنفسهم وهم يرتكبون الجرائم، ثم ينشرونها على تيك توك دون إظهار وجوههم أو استخدام أسمائهم الحقيقية، لكننا نعرفهم. يريدون أن يُعرفوا في أحيائهم، وعندما يشاهدهم شخص من عائلة كبيرة، قد يعرض عليهم العمل معه في عالم الجريمة.”
من أين يحصلون على الأسلحة؟
يجيب الضابط:
“هناك تسرب خطير للأسلحة إلى يافا. الناس هنا لديهم عائلات في الضفة الغربية، والمثلث، والنقب، ويجلبون الأسلحة من هناك. أحيانًا نعثر على أسلحة لا نعرف مصدرها. على سبيل المثال، في حادثة إطلاق النار على المخبز، عندما ألقينا القبض على الجاني، اكتشفنا أن المسدس المستخدم هو سلاح تركي مهرب، وليس له سجل في نظامنا.”
الصراعات العائلية التي لا تنتهي
يوضح الضابط أفيف كيف تبدأ صراعات عائلية بسيطة وتتصاعد إلى حروب عنيفة:
“مثلاً، إذا تشاجر طالبان في المدرسة، فقد يتدخل عم أحدهما ويحرق سيارة عائلة الطالب الآخر، مما يؤدي إلى رد انتقامي بإطلاق النار على منزل الطرف الأول. هذه النزاعات لا تنتهي بسهولة، لأنها تتصاعد دائمًا إلى مستويات أعنف، وغالبًا ما تحتاج إلى تدخل وسطاء لحلها بالمال.”
كيف تتعامل الشرطة مع هذه الظاهرة؟
تعمل شرطة يافا على مكافحة الظاهرة من خلال عدة وسائل:
- فرق تحقيق متخصصة في جرائم الشبيبة.
- رجال شرطة متخفيون يتابعون النشاطات الإجرامية.
- شبكة مخبرين تعمل داخل المجتمع العربي لجمع المعلومات عن النشاطات الإجرامية.
- التعاون مع مؤسسات الرعاية الاجتماعية لمساعدة الأطفال من الأسر المفككة.
خاتمة
على الرغم من أن يافا تبدو هادئة نسبيًا مقارنة بمناطق أخرى، إلا أن التصعيد في الجريمة بين المراهقين أصبح خطيرًا للغاية. المال السهل، غياب السلطة الأبوية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، كلها عوامل تدفع هؤلاء الشباب نحو عالم الجريمة، حيث ينتهي الأمر بالكثير منهم إما في السجن أو الموت.